لحماية المهاجرين.. "مدن الملاذ" تقود معركة دستورية في الولايات المتحدة

لحماية المهاجرين.. "مدن الملاذ" تقود معركة دستورية في الولايات المتحدة
شغب واعتقالات في لوس أنجلوس

حرّك مسؤولو مدينة ومقاطعة لوس أنجلوس دعوى قضائية فيدرالية ضد الحكومة الأمريكية، سعيًا لوقف المداهمات الواسعة التي نفذتها إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، وذلك بعد استعراض للقوة شهدته حديقة ماك آرثر وسط المدينة، حيث انتشرت قوات فيدرالية مدججة بالسلاح رفقة الحرس الوطني، جاء ذلك في أعقاب حملة اعتقالات فجائية أثارت الهلع بين المجتمعات اللاتينية، ودُفعت البلديات لتحدي الحكومة الفيدرالية قانونيًا.

ووفقًا لما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، اليوم الأربعاء، فإن الدعوى التي رفعها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية في جنوب كاليفورنيا، اتهمت السلطات الفيدرالية باستخدام التنميط العنصري، وتنفيذ اعتقالات دون أوامر قضائية، وحرمان المعتقلين من الاتصال بمحامين، بالإضافة إلى احتجازهم في ظروف قاسية.

ونقلت الصحيفة عن هايدي فيلدشتاين سوتو، المحامية مدينة لوس أنجلوس، قولها في مؤتمر صحفي: "لا يمكن السماح باستمرار هذه المداهمات والاعتقالات غير الدستورية.. لا يمكن أن تصبح الوضع الطبيعي الجديد".

مبدأ مدن الملاذ

تعتمد سياسة "مدن الملاذ" على تقليص التعاون بين الشرطة المحلية وسلطات الهجرة الفيدرالية، ووفقًا للموقع الرسمي لمنظمة "جلوبال ريفوج"، لا يوجد تعريف موحد لهذا المصطلح، إلا أنه يشير إلى سياسات تقيد قدرة الحكومات المحلية على مشاركة معلومات حول المهاجرين غير الموثقين مع سلطات الهجرة، أو على تنفيذ أوامر التوقيف الخاصة بقضايا الهجرة المدنية.

وتمنع بعض الولايات القضائية المحلية التعاون مع برنامج "287(ز)"، الذي يمنح ضباط الشرطة المحليين سلطة تنفيذ قانون الهجرة الفيدرالي، كما ترفض ولايات أخرى توقيع عقود لبناء أو تشغيل مراكز احتجاز للمهاجرين، وتصدر تعليمات لرفض طلبات ICE باحتجاز أشخاص بعد انتهاء مدة حجزهم الجنائي.

وأكدت "جلوبال ريفوج" أن سياسات الملاذ لا تعني مطلقًا حماية المهاجرين الذين يرتكبون جرائم جنائية من العدالة، بل إن سلطات الشرطة المحلية ما زالت تطبق القانون الجنائي بالكامل، لكنها ترفض أن تتحول إلى أذرع تنفيذية للهجرة.

وتعود جذور مصطلح "مدينة ملاذ" إلى العام 1971، حين أعلنت مدينة بيركلي، كاليفورنيا، نفسها ملاذًا آمناً لجنود البحرية الرافضين للمشاركة في حرب فيتنام، بحسب منظمة "جلوبال ريفوج"، ولم يرتبط المفهوم بقضايا الهجرة إلا لاحقًا، مع بروز "حركة الملاذ" في ثمانينيات القرن الماضي، والتي قادتها كنائس ومجتمعات دينية لتوفير حماية للاجئين من أمريكا الوسطى الفارين من الحروب الأهلية.

الهجوم الفيدرالي

أصدر الرئيس دونالد ترامب عدة أوامر تنفيذية استهدفت مدن الملاذ، أبرزها التوجيه بحجب التمويل الفيدرالي عن المدن التي ترفض التعاون مع ICE وأكد مركز "برينان للعدالة" أن هذه الإجراءات تخالف التعديل العاشر للدستور الأمريكي، الذي يضمن استقلالية الولايات في استخدام مواردها دون تدخل فيدرالي.

وأوضح المركز أن رفع وزارة العدل دعاوى قضائية ضد لوس أنجلوس وست ولايات أخرى خلال عام 2025 يعكس سعيًا لمعاقبة الولايات والمقاطعات التي تختار عدم الانخراط في حملة الترحيل الجماعي، مشيرًا إلى أن التهديدات الفيدرالية شملت سحب تمويلات لدعم ضحايا العنف الجنسي وبرامج الرعاية الاجتماعية.

وأشار المركز إلى أن قاضيًا فيدراليًا حكم عام 2017 بعدم دستورية سحب التمويل كعقوبة، مؤكدًا أن مثل هذه التدابير تمثل استيلاءً على موارد الولايات بما يخالف الدستور.

وفي تصريحات مباشرة خلال مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس"، أكد توم هومان، أحد كبار مسؤولي إدارة الهجرة والجمارك، أن الوكالة ستضاعف جهودها في مدن الملاذ مثل بورتلاند ونيويورك ولوس أنجلوس، متوعدًا بزيادة ما أسماه "الاعتقالات الجانبية"، أي توقيف أي شخص غير موثق يعثر عليه خلال عمليات البحث، وذلك وفقًا لما أوردته صحيفة "الأوريجونيان" الأمريكية.

وقال هومان، إن السلطات ستنتقل من العمل داخل السجون إلى المجتمعات مباشرة في حال استمرار رفض التعاون، محذرًا بقوله: "ما ستحصلون عليه، أيها المدن الملاذ الآمن، هو بالضبط ما لا تريدونه: المزيد من العملاء في مجتمعاتكم، والمزيد من الاعتقالات".

احتجاجات وتداعيات اقتصادية

أثارت مداهمات الهجرة الفيدرالية احتجاجات واسعة في مدن مثل لوس أنجلوس وشيكاغو وبورتلاند، حيث اعتبرها السكان عمليات بوليسية تتسم بالقمع والترويع.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن المجتمعات المحلية شهدت تباطؤًا اقتصاديًا، وتراجعًا في الإيرادات الضريبية، نتيجة خوف العمال من التنقل والعمل، بالإضافة إلى استنزاف موارد الشرطة المحلية بسبب كثرة البلاغات حول ما يُعتقد أنها "عمليات اختطاف"، والتي تبين لاحقًا أنها مداهمات لـ ICE.

وانضمت تسع بلديات من مقاطعة لوس أنجلوس إلى الدعوى القضائية، بينها سانتا مونيكا وويست هوليوود، بحسب ما نقلته "نيويورك تايمز"، كما قدم المدعون العامون في كاليفورنيا و17 ولاية أخرى مذكرات دعم قانونية للبلديات.

وصرحت المحامية فيلدشتاين سوتو أن الضرر لم يكن فقط على المواطنين، بل شمل الإيرادات والأنشطة التجارية والنظام العام.

اختبار للديمقراطية الفيدرالية

تُعد مدن الملاذ اختبارًا فعليًا لقدرة المجتمعات المحلية على حماية سكانها من تدخلات اتحادية تُوصف بأنها متشددة أو تعسفية.

ووفقًا لما نشره مركز "برينان"، فإن المحاكم والكونغرس الأمريكي مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بتأكيد أن الولايات والمجتمعات ليست ملزمة بتخصيص مواردها لإنفاذ قوانين لا تتماشى مع مصالحها العامة أو حقوق سكانها.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية